فصل: الطرف الثالث في وجوه أموالها الديوانية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الطرف الثالث في وجوه أموالها الديوانية:

وهي على ضربين شرعي وغير شرعي:

.الضرب الأول الشرعي:

وهو على سبعة أنواع:
النوع الأول: المال الخراجي:
وهو ما يؤخذ عن أجرة الأرضين وله حالان:
الحال الأول- ما كان عليه الأمر في الزمن المتقدم، وقد أورد ابن مماتي في قوانين الدواوين ما يقتضي أنه كان على كل صنفٍ من أصناف المزروعات قطيعة مقررة في الديوان السلطاني أمرها، فذكر أمرها، فذكر أن قطيعة القمح كانت إلى آخر سنة سبع وستين وخمسمائة عن كل فدانٍ ثلاثة أرادب ثم انه تقرر عند المساحة في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة إردبان ونصف إردب.
ثم قال: ومن ذلك ما يباع بعين، ومنه يزرع مشاطرة قال: وقطيعة الشعير كذلك؛ وقطيعة الفول عن كل فدان من ثلاثة أرادب إلى أردبين ونصف؛ وقطيعة الجلبان والحمص والعدس عن كل فدان إردبان ونصف، وقطيعة الكتان تختلف باختلاف البلاد.
ثم قال: وهي على آخر ما تقرر في الديوان عن كل فدان ثلاثة دنانير إلى ما دونها؛ وقطيعة القرط بالديوان عن كل فدان دينار واحد، وفيما بين الناس مختلف؛ وقطيعة الثوم والبصل عن كل فدان ديناران، وقطيعة الترمس عن كل فدان دينار واحد وربع، وقطيعة الكمون والكراويا والسلجم الصيفي عن كل فدان دينارٌ واحد.
قال: وكان قبل ذلك دينارين، وقطيعة البطيخ الأخضر والأصفر واللوبياء عن كل فدان ثلاثة دنانير، وقطيعة السمسم عن كل فدان دينار واحد، وقطيعة القطن كذلك، وقطيعة قصب السكر عن كل فدان ان كان رأساً خمسة دنانير، وان كان خلفةً ديناران وخمسة قراريط، وقطيعة القلقاس عن كل فدان ثلاثة دنانير، وقطيعة النيلة عن كل فدان ثلاثة دنانير، وقطيعة الفجل عن كل فدان دينار واحد، وقطيعة اللفت كذلك؛ وقطيعة الخس عن كل فدان ديناران، وقطيعة الكرنب كذلك.
قال والقطيعة المستقرة عن خراج الشجر والكرم تختلف باختلاف سنينه.
ثم قال: وهو يدرك في السنة الرابعة ويترتب على كل فدان ثلاثة دنانير، وقطيعة القصب الفارسي عن كل فدان ثلاثة دنانير.
الحال الثاني- ما الأمر عليه في زماننا، والحال فيه مختلف باختلاف البلاد.
فالوجه القبلي الذي هو الصعيد أكثر خراجه غلالٌ من قمح وشعير وحمصٍ وفول وعدس وبسلة وجلبانٍ ويعبر في عرف الدواوين، عما عدا القمح والشعير والحمص بالحبوب، ثم الغالب أن يؤخذ عن خراج كل فدان من الأصناف المذكورة ما بين إدربين إلى ثلاثة بكيل تلك الناحية، وربما زاد أو نقص عن ذلك، وفي الغالب يؤخذ مع كل إردب درهم أو درهمان أو ثلاثة، ونحو ذلك بحسب قطائع البلاد وضرائبها في الزيادة والنقص في الأرادب والدراهم، وبما كان الخراج في بعض هذه البلاد دراهم، وما بار من أرض كل بلد يباع ما ثبت فيه من المرعى مناجزة، وربما أخذ فيه العداد على حسب عرف البلاد.
والوجه البحري غالب خراج بلاده دراهم وليس فيه ما خراج بلاده غلةٌ إلا القليل على العكس من الوجه القبلي.
ثم الذي كان عليه الحال إلى نحو التسعين والسبعمائة في غالب البلاد أن يؤجر أثر الباق كل فدان بأربعين درهماً فما حولها والبرايب كل فدان بثلاثين درهماً فما حولها، ثم غلا السعر بعد ذلك حتى جاوز الباق المائة والبرايب الثمانين، وبلغ البرش نحو المائتين وذلك عند غلو الغلال وارتفاع سعرها.
قلت: ثم تزايد الحال في ذلك بعد الثمانمائة إلى ما بعد العشر والثمانمائة حتى صار يؤخذ في الباق عن كل فدان نحو الأربعمائة درهم، وربما زادت الأرض الطيبة حتى بلغت ستمائة درهم، وفي البرايب ونحوه دون ذلك بالنسبة ثم إنه اذا كان المقرر في خراج بلد من بلاد الديار المصرية غلالاً وأعوز صنفٌ من الأصناف ان يؤخذ البدل عنها من صنف اخر من الغلة.
وقد ذكر في قوانين الدواوين أن قاعدة البدل أن يؤخذ عن القمح بدل كل إردب من الشعير إردبان، ومن الفول إردب واحد ونصف، ومن الحمص إردب، ومن الجلبان إردبٌ ونصف، والشعير يؤخذ عن كل إردب منه نصف إردب من القمح أو ثلثا إردب من الفول أو نصف إردب من الحمص أو ثلثا إردب من الجلبان، وفي الفول يؤخذ عن كل إردب منه ثلث إردب من القمح أو إردب ونصف إردب من الشعير أو ثلثي إردب من الحمص أو إردب من الجلبان، وفي الحمص يؤخذ عن كل إردب منه إردب من القمح أو إردبان من الشعير أو إردب ونصف من الفول أو إردب ونصف من الجلبان، وفي الجلبان يؤخذ عن كل إردب منه ثلثي إردب من القمح أو إردب ونصف من الشعير أو اردب من الفول أو ثلثي إردب من من الحمص؛ ثم قال: والسمسم والسلجم والكتان ما رأيت لها بدلا، والاحتياط في جميع ذلك الرجوع الى سعره الحاضر، فإنه أسلم طريقةً واحسن عاقبةً.
واعلم أن بلاد الديار المصرية بالجهين: القبلي والبحري بجملتها جارية في الدواوين السلطانية واقطاعات الأمراء وغيرهم من سائر الجند إلا النزر اليسير مما يجري في وقف من سلف من ملوك الديار المصرية ونحوهم على الجوامع والمدارس والخوانق ونحوها مما لا يعتدّ به لقلته.
والجاري في الدواوين على ضربين:
الضرب الأول ما هو داخل في الدواوين السلطانية:
وهو الآن على أربعة أصناف:
الصنف الأول ما هو جار في ديوان الوزارة:
وأعظمه خطراً وأرفعه قدراً جهتان: إحداهما- عمل الجيزية المتقدم ذكره في أعمال الديار المصرية ولها مباشرون بمفردها من ديوان الوزارة ما بين ناظر ومستوفٍ وشهود وصيرفيّ وغيرهم، وغالب خراجه مبلغ دراهم تحمل الى بيت المال فتثبت فيه وتصرف منه في جملة مصارف بيت المال، وربما حمل من بعضها الغلّة اليسيرة من القمح وغيره للأهراء السلطانية بالفسطاط ومن أرضها تفرد الإطلاقات، ويبذر فيها البرسيم لربيع الخيول بالإصطبلات السلطانية والأمراء والمماليك السلطانية.
الثانية- عمل منفلوط، وله مباشرون كما تقدم في الجيزية بل هي أرفع قدراً وأكثر متحصلاً، وغالب خراجة غلال: من قمح وفول وشعير، وغلالها تحمل إلى الأهراء السلطنية بالفسطاط ويصرف منها في جملبة مصارف الأهراء على الطواحين السلطانية والمناخات وغير ذلك، وربما حمل منها المبلغ اليسير إلى بيت المال فيثبت فيه ويصرف منه على ما تقدم في الأعمال الجيزية، وما عدا هاتين الجهتين من البلاد الجارية في ديوان الوزارة مفرقة في الأعمال بالوجهين: القبلي والبحري، وهي في الوجه القبلي أكثر، ولكنها قد تناقصت في هذا الزمن حتى لم يبق فيها إلا بعض بلاد بالوجه القبلي.
الصنف الثاني ما هو جار في ديوان الخاص:
وهو الديوان الذي أحدثه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون حين أبطل الوزراة على ما سيأتي ذكره، وأعظم بلاده وأرفعها قدراً مدينة الإسكندرية فإنها في الغالب مضافة إليه وبها مباشرون من ناظر ومستوف وشادين وغيرهم، وربما أخرت عنه في جهات أخرى جارية فيه، ويليها تروجه وفوه ونستروه، ومال جميعها يحمل إلى خزانة الخاص الآتي ذكرها تحت نظر ناظر الخاص الآتي ذكره.
الصنف الثالث ما هو جار في الديوان المفرد:
وهو ديوان أحدثه الظاهر برقوق في سلطنته، وأفرد له بلاداً، وأقام له مباشرين وجعل الحديث فيه لأستاذ داره الكبير، ورتب عليه نفقة مماليكه من جامكيات وعليف وكسوة وغير ذلك.
قلت: وليس هو المخترع لهذا الاسم بل رأيت في ولايات الدولة الفاطمية بالديار المصرية ما يدل على أنه كان للخليفة ديوان يسمى: الديوان المفرد.
الصنف الرابع ما هو جار في ديوان الأملاك:
وهو ديوان أحدثه الظاهر برقوق المتقدم ذكره، وأفرد له بلاداً سماها أملاكاً، وأقام لها أستاذ دار ومباشرين بمفردها، وهذا الديوان خاص بالسلطان ليس عليه مرتب نفقة ولا كلفة.
الضرب الثاني ما هو جار في الإقطاعات:
وهو جل البلاد بالوجهين القبلي والبحري، والبلاد النفيسة الكثيرة المتحصل في الغالب تقطع للأمراء على قدر درجاتهم، فمنهم من يجتمع له نحو العشر بلاد إلى البلد الواحدة، وما دون ذلك من البلدان بيقطع للمماليك السلطانية يشترك الاثنان فما فوقهما في البلدة الواحدة في الغالب، وربما انفرد الواحد منهم بالبلد الواحد. وما دون ذلك يكون لأجناد الحلقة تجتمع الجماعة منهم في البلد الواحد بحسب مقداره وحال مقطعيه، وفي معنى أجناد الحلقة المقطعون من العربان بالبحيرة والشرقية من أرباب الأدارك وملتزمي خيل البريد وغيرهم.
ثم اعلم أن لبلاد الديار المصرية حالين: الحال الأول- أن تنجز إجارة طين البلد بقدر معين لا يزيد ولا ينقص وطلب الخراج على حكمها.
الحال الثاني- أن تكون البلاد مما جرت العادة بمساحة أرضها لسعة طينها واختلاف الري فيه بالكثرة والقلة في السنين؛ وقد جرت العادة في ذلك أن كاتب خراج الناحية يطلب خولة القانون بذلك البلد وتوريخ الأحواض على المزارعين بفدن مقدرة، وتكتب بها أوراق تسمى أوراق المسجل، وتحمل نسختها إلى ديوان صاحب الإقطاع فتخلد فيه، فإذا طلع الزرع خرج من باب صاحب الإقطاع مباشرون، فيمسحون أرض تلك البلد في كل قبالة بأسماء المزارعين، ويكتب أصل ذلك في أوراق تسمى الفنداق، ثم تجمع القبائل بأوراق تسمى تأريج القبائل، ثم تجمع أسماء المزارعين بأوارق تسمى تأريج الأسماء، ويقابل بين ما اشتملت عليه أوراق المسجل وما اشتملت عليه مساحته، وفي الغالب يزيد عن أوراق المسجل، ويجمع ذلك وتنظم به أوراق تسمى المكلفة، ويكتب عليها الشهود وحاكم العمل، وتحمل لديوان المقطع نسخاً.
النوع الثاني: ما يتحصل مما يستخرج من المعادن:
وقد تقدم في الكلام على خواص الديار المصرية أن الموجود الآن بها ثلاثة معادن: الأول- معدن الزمرد على القرب من مدينة قوص، ولم يزل مستمر الاستخراج إلى أواخر الدولة الناصرية محمد بن قلاوون، ثم أهمل لقلة ما يتحصل منه مع كثرة الكلف وبقي مهملاً إلى الآن. وقد ذكر في مسالك الأبصار: أنه كان له مباشرون وأمناء من جهة السلطان يتولون استخراجه وتحصيله، ولهم جوامك على ذلك. ومهما تحصل منه حمل إلى الخزائن السلطانية فيباع ما يباع، ويبقى ما يصلح للخزائن الملوكية.
الثاني- معدن الشب بالباء الموحدة في آخره قال في قوانين الدواوين: ويحتاج إليه في أشياء كثيرة، أهمها صبغ الأحمر، وللروم فيه من الرغبة بمقدار ما يجدون من الفائدة، وهو عندهم مما لا بد منه ولا مندوحة عنه؛ ومعادن بأماكن من بلاد الصعيد والواحات على ما تقدم في الكلام على خواص الديار المصرية.
قال: وعاد الديوان أن ينفق في تحصيل كل قنطارٍ منه بالليثي ثلاثين درهماً، وربما كان دون ذلك، وتهبط به العرب من معدنه إلى ساحل قوص، وساحل إخميم، وساحل أسيوط، وساحل البهنسي إن كان الإتيان به من الواحات، ثم يحمل من هذه السواحل إلى الإسكندرية ولا يعتد للمباشرين فيه إلا بما يصح فيها عند الاعتبار. قال ابن مماتي: وأكثر ما يباع منه في المتجر بالإسكندرية خمسة آلاف قنطار بالجروي، وبيع منه في بعض السنين ثلاثة عشر ألف قنطار. وسعره من خمسة دنانير إلى خمسة دنانير وربع وسدس كل قنطار.
قال: أما القاهرة، فأكثر ما يباع فيها في كل سنة ثمانون قنطاراً كل قنطار بسبعة دنانير ونصف؛ ثم قال: وليس لأحد أن يبيعه، ولا يشتريه سوى الديوان السلطاني، ومتى وجد مع أحد شيء من صنفه استهلك. قلت: وقد تغير غالب حكم ذلك.
الثالث- معدن النطرون وقد تقدم في الكلام على خواص الديار المصرية أن النطرون يوجد في معدنين: أحدهما بعمل البحيرة مقابل بلدة تسمى الطرانة على مسيرة يوم منها، وتقدم في كلام صاحب التعريف أنه لا يعلم في الدنيا بقعة صغيرة يستغل منها أكثر مما يستغل منها، فإنها نحو مائة فدان تغل نحو مائة ألف دينار كل سنة. والمعدن الثاني بالفاقوسية على القرب من الخطارة، ويعرف بالخطاري، وهو غير لاحق في الجودة بالأول.
قال في نهاية الأرب: وأول من احتجر النطرون أحمد بن محمد بن مدبر نائب مصر قبل أحمد بن طولون، وكان قبل ذلك مباحاً. قال في قوانين الدواوين: وهو في طور محدود لا يتصرف فيه غير المستخدمين من جهة الديوان، والنفقة على كل قنطار منه درهمان، وثمن كل قنطار منه بمصر والإسكندرية لضيق الحاجة إليه سبعون درهماً، قال: والعادة المستقرة أنه متى أنفق من الديوان في االعربان عن أجرة حمولة عشرة آلاف قنطار، ألزموا بحمل خمسة عشر ألف قنطار، حساباً عن كل قنطار قنطار ونصفٌ. ثم قال: وأكثره مصروف في نفقة الغزاة.
قلت: أما في زماننا فقد تضاعفت قيمة النطرون وغلا سعره لاحتجار السلطان له، وأفرط حتى خرج عن الحد، حتى إنه ربما بلغ القنطار منه مبلغ ثلثمائة درهم أو نحوها. وقد كان على النطرون مرتبون من كتاب دست وكتاب درج وأطباء وكحالين وغيرهم وجماعةٌ من أرباب الصدقات يستأدون ذلك، وينفقون على حمولته إلى ساحل النيل بالبلدة المعروفة بالطرانة المتقدمة الذكر، ويبيعونه على من يرغب فيه ليتوجه به في المراكب إلى الوجه القبلي، ولم يكن لأحد أن يبيع شيئاً بالوجه البحري جملةً، ثم بطل ذلك في أواخر الدولة الظاهرية برقوق، وصار النطرون بجملته خالصاً للساطان جارياً في الديوان المفرد تحت نظر أستاذ دار، يحمل إلى الإسكندرية والقاهرة فيحزن في شون ثم يباع منها، وعليه مباشرون يحضرون الواصل والمبيع، ويعملون الحسبانات بذلك، وتميز بذلك متحصله للغاية القصوى.
النوع الثالث: الزكاة:
قد تقرر في كتب الفقه أن من وجبت عليه زكاة كان مخيراً بين أن يدفعها إلى الإمام أو نائبه، وبين أن يفرقها بنفسه. والذي عليه العمل في زماننا بالديار المصرية أن أرباب الزكوات المؤدين لها يفرقونها بأنفسهم، ولم يبق منها ما يؤخذ على صورة الزكاة إلا شيئين: أحدهما- ما يؤخذ من التجار وغيرهم على ما يدخلون به إلى البلد من ذهب أو فضة، فإنهم يأخذون على كل مائتي درهم خمسة دراهم، ثم اشترى بها شيئاً وخرج به وعاد بنظير المبلغ الأول لا يؤخذ منه شيء عليه حتى يجاوز سنة. إلا أنهم انتقصوا سنة ذلك فجعلوها عشرة أشهر، وخصوه بما إذا لم يزد في المدة المذكورة على أربع مرار، فإن زاد عليها استأنفوا له المدة، ثم إنه إذا كان بالبلد متجر لأحد من تجار الكارم من بهار ونحوه وحال عليه الحول بالبلد، أخذوا عليه الزكاة أيضاً. ومجرى ذلك جميعه مجرى سائر متحصل الإسكندرية في المباشرة وغيرها.
الثاني- ما يؤخذ من العداد من مواشي أهل برقة من الغنم والإبل عند وصولهم إلى عمل البحيرة بسبب المرعى، وفي الغالب يقطع لبعض الأمراء، ويخرج قصادهم لأخذه.
النوع الرابع: الجوالي:
وهي ما يؤخذ من أهل الذمة عن الجزية المقررة على رقابهم في كل سنة، وهي على قسمين: ما في حاضرة الديار المصرية من الفسطاط والقاهرة، وما هو خارج عن ذلك، فأما ما بحاضرة الديار المصرية، فإن لهذه الجهة بها ناظراً يولى من جهة السلطان بتوقيع شريف، ويتبعه مباشرون من شاد وعامل وشهود، وتحت يده حاشرٌ لليهود وحاشر للنصارى يعرف بأرباب الأسماء الواردة في الديوان ومن ينضم إليهم ممن يبلغ في كل عام من الصبيان، ويعبر عنهم بالنشو ومن يقدم إلى الحاضرة من البلاد الخارجة عنها، ويعبر عنهم بالطارئ، ومن يهتدي أو يموت ممن اسمه وارد الديوان. يملي على كتاب الديوان ما يتجدد من ذلك.
قال في قوانين الدواوين: إن الجزية كانت في زمانه على ثلاث طبقات: عليا، وهي أربعة دنانير وسدسٌ عن كل رأس في كل سنة، ووسطى وهي ديناران وقيراطان، وسفلى وهي دينار واحد وثلث وربع دينار وحبتان من دينار، وإنه أضيف إلى جزية كل شخص درهمان وربع عن رسم الشاد والمباشرين. ثم قال: وقد كانت العادة جارية باستخراجها في أول المحرم من كل سنة، ثم صارت تستخرج في أيام من ذي الحجة. قلت: أما الآن فقد نقصت حتى صار أعلاها خمسة وعشرن درهماً، وأدناها عشرة دراهم، ولكنها صارت تستأدى معجلة في شهر رمضان، ثم ما يتحصل منها يحمل منه قدر معين في كل سنة لبيت المال، وباقي ذلك عليه مرتبون من القضاة وأهل العلم والديانة يوزع عليهم على قدر المتحصل.
وأما ما هو خارج عن حاضرة الديار المصرية من سائر بلدانها فإن جزية أهل الذمة في كل بلد تكون لمقطع تلك البلد من أمير أو غيره تجري مجرى مال ذلك الإقطاع، وإن كانت تلك البلد جارية في بعض الدواوين السلطانية، كان ما يتحصل من الجزية من جهل الذمة بها جارياً في ذلك الديوان.
النوع الخامس: ما يؤخذ من تجار الكفار الواصلين في البحر إلى الديار المصرية:
واعلم أن المقرر في الشرع أخذ العشر من بضائعهم التي يقدمون بها من دار الحرب إلى بلاد الإسلام إذا شرط ذلك عليهم. والمفتى به في مذهب الشافعي رضي الله عنه أن للإمام أن يزيد في المأخوذ عن العشر وأنت ينقص عنه إلى نصف العشر للحاجة إلى الازدياد من جلب البضاعة إلى بلاد المسلمين، وأن يرفع ذلك عنهم رأساً إذا رأى فيه المصلحة. وكيفما كان الأخذ فلا يزيد فيه على مرة من كل قادم بالتجارة في كل سنة، حتى لو رجع إلى بلاد الكفر ثم عاد بالتجارة في سنته لا يؤخذ منه شيء إلا أن يقع التراضي على ذلك؛ ثم الذي ترد إليه تجار الكفار من بلاد الديار المصرية ثغر الإسكندرية. وثغر دمياط المحروستين، تأتي إليهما مراكب الفرنج والروم بالبضائع فتبيع فيهما أو تمتار منهما ما تحتاج إليه من البضائع، وقد تقرر الحال على أن يؤخذ منهم الخمس وهو ضعف العشر عن كل ما يصل بهم في كل مرة، وربما زاد ما يؤخذ منهم على الخمس أيضاً.
قال ابن مماتي في قوانين الدواوين: وربما بلغ قيمة ما يستخرج عما قيمته مائة دينار ما يناهز خمسة وثلاثين ديناراً، وربما انحط عن العشرين ديناراً. قال: ويطلق على كليهما خمس، قال: ومن الروم من يستأدى منه العشر، إلا أنه لما كان الخمس أكثر، كانت النسبة إليه أشهر. ولذلك ضرائب مستقرة في الدواوين وأوضاع معروفة.
النوع السادس: المواريث الحشرية:
وهي مال من يومةت وليس له وارث خاص: بقرابة أو نكاح أو ولاء، أو الباقي بعد الفرض من مال من يموت وله وارث ذو فرض لا يستغرق جميع المال ولا عاصب له.
وهذه الجهة أيضاق على قسمين: ما في حاضرة الديار المصرية، وما هو خارج عنها.
فأما ما بحاضرة الديار المصرية فإن لهذه الجهة ناظراً يولى من قبل السلطان بتوقيع شريف ومعه مباشرون من شاد وكاتب ومشارف وشهود، وهي مضافة إلى ما تحت نظر الوزارة من سائر المباشرات، ومتحصلها يحمل إلى بيت المال، وربما كان عليها مرتبون من أرباب جوامك وغيرهم، وقد جرت عادة هذا الديوان أن كاتبه في كل يوم يكتب تعريفاً بمن يموت بمصر والقاهرة من حشري أو أهلي وتفصيله من رجال ونساء وصغار ويهود ونصارى، وتكتب منه نسخ لديوان الوزارة، ولنظر الدواوين ومستوفي الدولة، ويسد من وقت العصر، فمن أطلق بعد العصر، أضيف إلى النهار ألقابل.
وأما ما هو خارج عن حاضرة الديار المصرية، فلها مباشرون يحصلونها ويحملون ما يتحصل منها إلى الديوان السلطاني.
النوع السابع: ما يتحصل من باب الضرب بالقاهرة:
والذي يضرب فيها ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: الذهب:
وأصله مما يجلب إلى الديار المصرية من التبر من بلاد التكرور وغيرها مع ما يجتمع إليه من الذهب. قال في قوانين الدواوين: وطريق العمل فيها أن يسبك ما يجتمع من أصناف الذهب المختلفة حتى يصير ماء واحداً، ثم يقلب قضباناً ويقطع من أطرافها قطع بمباشرة النائب في الحكم، ويحرر بالوزن ويسبك سبيكة واحدة، ثم يؤخذ من بعضها أربعة مثاقيل ويضاف إليها من الذهب الحائف المسبوك بدار الضرب أربعة مثاقيل، ويعمل كل منها أربع ورقات وتجمع الثمان ورقات في قدح فخار بعد تحرير وزنها. ويوقد عليها في الأتون ليلة، ثم تخرج الورقات وتمسح ويعبر الفرع على الأصل، فإن تساوى الوزن وأجازه النائب في الحكم، ضرب دنانير، وإن نقص أعيد إلى أن يتساوى ويصح التعليق فيضرب حينئذ دنانير.
قال ابن الطوير في الكلام على ترتيب الدولة الفاطمية بالديار المصرية في سياقه الكلام على وظيفة قضاء القضاة: وسبب خلوص الذهب بالديار المصرية ما حكى أن أحمد بن طولون صاحب مصر كان له إلمام بمدينة عين شمس الخراب على القرب من المطرية من ضواحي القاهرة، حيث ينبت البلسان، وأن يد فرسه ساخت بها يوماً في أرض صلدة، فأمر بحفر ذلك المكان فوجد فيه خمسة نواويس فكشفها فوجد في الأوسط منها ميتاً مصبراً في عسل، وعلى صدره لوحٌ لطيف من ذهب فيه كتابةو لا تعرف، والنواويس الأربعة مملوءة بسبائك الذهب، فنقل ذلك الذهب ولم يجد من يقرأ ما في اللوح، فدل على راهب شيخ بدير العربة بالصعيد له معرفة بخط الأولين، فأمر بإحضاره فأخبره بضعفه عن الحركة، فوجه باللوح إليه، فلما وقف عليه قال: إن هذا يقول: أمنا أكبر الملوك؛ وذهبي أخلص الذهب. فلما بلغ ذلك أحمد بن طولون، قال: قبح الله من يكون هذا الكافر أكبر منه أو ذهبه أخلص من ذهبه، فشدد في العيار في دور الضرب، وكان يحضر ما يعلق من الذهب ويختم بنفسه فبقي الأمر على ما قرره في ذلك من التشديد في العيار. وكانت دار الضرب في الدولة الفاطمية لا يتوالاها إلا قاضي القضاة تعظيماً لشأنها، وتكتب في عهده في جملة ما يضاف إلى وظيفة القضاء، ويقيم لمباشرة ذلك من يختاره من نواب الحكم، وبقي الأمر على ذلك زمناً بعد الدولة الفاطمية أيضاً. أما في زماننا، فنظرها موكول لناظر الخاص الذي استحدثه الملك الناصر محمد بن قلاوون عند تعطيله الوزارة على ما سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى.
والسكة السلطانية بالديار المصرية فيما هو مشاهد من الدنانير أن يكتب على أحد الوجهين: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، وعلى الوجه الآخر اسم السلطان الذي ضرب في زمنه وتاريخ سنة ضربه.
الصنف الثاني الفضة النقرة:
وقد ذكر ابن مماتي في قوانين الدواوين في عيارها أنه يؤخذ ثلثمائة درهم فضة فتضاف الى سبعمائة درهم من النحاس الأحمر، ويسبك ذلك حتى يصير ماء واحداً فيقلب قضباناً ويقطع من أطرافها خمسة عشر درهماً، ثم تسبك، فإن خلص منها أربعة دراهم فضة ونصف حساباً عن كل عشرة دراهم ثلاثة دراهم، وإلا أعيدت إلى أن تصح. وكأن هذا ماكان الأمر عليه في زمانه، والذي ذكره المقر الشهابي بن فضل الله في مسالك الأبصار: أن عيارها الثلثان من فضة والثلث من نحاس، وهذا هو الذي عليه قاعدة العيار الصحيح كما كان في أيام الظاهر بيبرس وما ولاها، وربما زاد عيار النحاس في زماننا على الثلث شيئاً يسيراً بحيث يظهره النّقد، ولكنه يروج في جملة الفضة، وربما حصل التوقف فيه إذا كان بمفرده.
قلت: أما بعد الثمانمائة فقد قلّت الفضة، وبطل ضرب الدراهم بالديار المصرية إلا في القليل النادر لا ستهلاكها في السروج والآن ية ونحوها، وانقطاع واصلها إلى الديار المصرية من بلاد الفرنج وغيرها، ومن ثمّ عّز وجود الدراهم في المعاملة بل لم تكد توجد. ثم حدث بالشام ضرب دراهم رديئة فيها الثلث فما دونه فضة والباقي نحاس أحمر، وطريقة ضربها أن تقطع القضبان قطعاً صغاراً كما تقدم في الدنانير، ثم ترصع إلا أن الدنانير لاتكون إلا صحاحاً مستديرة والفضة ربما كان فيها القراضات الصغار المتفاوتة المقادير فيما دون الدرهم إلى ربع درهم وما حوله وصورة السكة على الفضة كما في الذهبمن غير فرق.
الصنف الثالث الفلوس المتخذة من النحاس الأحمر:
وقد تقدم أنه كان في الزمن الأول فلوس صغار كل ثمانية وأربعين فلساً منها معتبرة بدرهم من النّقرة إلى سنة تسع وخمسين وسبعمائة في سلطنة الناصر حسن ابن محمد بن قلاوون الثانية، فأحدثت فلوس عبّر عنها بالجدد زنة كل فلس منها مثقال، وهو قيراط من أربعة وعشرين قيراطاً من الدرهم، ثم تناقص مقدارها حتى كادت تفسد وهي على ذلك. وطريق عملها: أن يسبك النحاس الأحمر حتى يصير كالماء، ثم يخرج فيضرب قضباناً، ثم يقطع قطعاً قطعاً صغاراً، ثم ترصع وتسك بالسكة السلطانية وسكتها أن يكتب على أحد الوجهين اسم السلطان ولقبه ونسبه، وعلى الآخر اسم بلد ضربه وتاريخ السنة التي ضرب فيها.